الخميس، 7 مايو 2015

سلسلة أسطورة في سطور: أسطورة الأميرة سافيتري.

أسطورة الأميرة سافيتري:


تعتبر أسطورة الأميرة سافيتري من أفضل الأساطير الهندية ةالأكثر شعبية في الهند, حيث أنها مستقاة من الملحمة الوطنية الكبرى "الماهابهاراتا" والتي تعد من الكتب المقدسة للديانة الهندوسية.

يحكى أن:
في قديم الزمان وسالف العصر والأوان, كان هناك ملك له العديد من الزوجات, ولكنه لم يرزق بأطفال. فصار هذا الملك يصلي ليل نهار أمام نيران المذبح المقدس صباحاً ومساءً لمدة ثماني عشرة عاماً لعل الالهة تلبي أمنيته. وفي يوم من الأيام وأثناء صلاته خرجت له فتاة من لهب النار المقدسة وقالت:
أنا سافيتري, ابنة إله الشمس, ومن أجل صلاتك فقد فزت بإبنة لك.
وبالفعل وفي أقل من عام رزق الملك بفتاة جميلة أسماها سافيتري. كبرت سافيتري وأصبحت على قدر عظيم من الجمال والعلم والذكاء, وصار الناس يشبهونها بسافيتري الالهة فعلاً.

حل موعد زواج الأميرةولم يتقدم إليها أحد طالباً الزواج, فقال لها والدها الملك: إن الرجال الضعفاء يفضلون الابتعاد عن طاقة من النور الباهر مثلك. فلتخرجي وابحثي عن رجل يستحقك وعندها سأتكفل أنا بترتيبات الزواج.
وهكذا بدأت رحلة الأميرة سافيتري من مكان لآخر حتى وصلت إلى صومعة بجوار احد الأنهار, يلجأ إليها المنقطعون للترهبن والعبادة. دخلت سافيتري للقاعة وانحنت لرئيس المعلمين وتحدثت معه, وفيما هم كذلك فإذا بشاب لامع العينين يقود عجوزاً طاعناً في السن أعمى. لم تتمالك سافيتري نفسها فسألت كبير المعلمين: من هو هذا الشاب؟ فابتسم المعلم قائلاً: هذا الأمير ساتيافان "وتعني: ابن الحقيقة, فلا يوجد من هو أغنى منه فضيلة".
عادت سافيتري إلى دارها، فجدت والدها جالساً مع رجل متبصِّر يدعى "نارادا".  قال الملك:
بنيتى، هل وجدت الرجل الذي ترغبين في الزواج منه؟ فردت على الفور: نعم يا أبى. وجدته. وهو يدعى ساتيافان.
فزع نارادا من فوره وقال: لا. ليس ساتيافان أيتها الأميرة ، لا يوجد من الرجال من هو أجدر بك منه، ولكن لا فزواجك منه لا يجب ان يتم! أنا أعرف المستقبل. وسوف يموت سافاتيان بعد سنة واحدة فقط إعتباراً من اليوم. فقال الملك : هل سمعت يا ابنتى؟ عليك اختيار زوج غيره. ارتعدت سافيتري لكنها قالت فى حزم: لقد اخترت سافاتيان، ولن اختر مرشح آخر. مهما طال عمره أو قصر أود أن اشاركها معه.  وهكذا، لم يمض وقت كثير حتى كان الملك يرتحل مع سافيتري لترتيب الزواج.

شعر سافاتيان بسعادة غامرة أن تقدم له مثل هذه العروس. ولكن والده، الملك الضرير، سأل سافيتري: هل يمكنك أن تتحمّلي الحياة الصعبة في صومعة؟ هل ستقومين بارتداء ثيابنا البسيطة ومعاطفنا الخشنة؟ هل تأكلين الفواكه والنباتات البرية فقط؟ فردت عليه سافيتري: لا تهمنى الراحة أو المشقة، سأكون راضية سواء كنت في قصر أو في صومعة.
في نفس ذلك اليوم، مشت سافيتري وسافاتيان جنباً إلى جنب حول النار المقدسة في قاعة العبادة. أمام جميع الكهنة والنساك ، وأصبحوا زوجاً وزوجة.

عاش الزوجين فى سعادة لمدة عام. ولكن سافيتري لم تنس أبداً أن موت سافاتيان يقترب كل يوم. وأخيراً،  لم يبقَ سوى ثلاثة أيام. دخلت سافيتري القاعه للعبادة ووقفت أمام النار المقدسة وظلت تصلي لمدة ثلاثة أيام وليال، لم تتناول خلالهم الطعام أو النوم. وحين غادرت سافيتري أخيراً قاعة الصلاة، رأت سافاتيان متوجها إلى الغابة ، بفأس على كتفه. هرعت سافيتري إلى جانبه قائلة: سوف آتي معك.
 وهكذا، مشت سافيتري وسافاتيان يداً بيد فوق التلال الخضراء يتنسمون رائحة البراعم المتفتحة على الأشجار المثمرة ويتوقفان بجانب جداول المياه الرائقة. وبينما سافيتري تستريح إلى جذع أحد الأشجار، أخذ سافاتيان فى تقطيع الحطب من شجرة ساقطة. وفجأة، سقط الفأس من يده وصرخ: ان رأسي يؤلمني بشدة. هرعت سافيتري إليه وأرقدته فى ظل شجرة ووضعت رأسه في حجرها. قال سافاتيان فى ألم: إن جسدي يحترق! ما الذى يحدث لى؟  ثم ارتخت عينيه وتباطأت أنفاسه. نظرت سافيتري إلى أعلى ففوجئت بأمير يأتي من بين الغابات لتلبيتها كان رجلا مشرقاً على الرغم من جلده الذى كان أشد قتامة من الليل الحالك بينما عيناه وثوبه حمراء كالدم.

ارتجفت سافيتري وبادرته: من أنت؟ فأجاب بصوت عميق لطيف: ايتها الأميرة، لم يكن أن تريننى إلا بفضل صلاتك وصومك. أن (ياما، إله الموت). وقد حان الوقت الآن. لابد لي ان أقبض روح ساتيافان. وبالفعل اخرج ياما أنشوطة ومررها عبر صدر سافاتيان فتوقف عن التنفس وخرجت الأنشوطة وفى طرفها نسخة مصغرة من سافاتيان. وضعها ياما فى ثويه وقال: إن السعادة فى انتظار زوجك في مملكتي. فسافاتيان رجل ذو فضل عظيم. ثم استدار مغادراً. هبّت سافيتري من فورها وبدأت تتعقبه.
كان ياما يمشي بسلاسة وسرعة عبر الغابة، بينما أخذت سافيتري تصارع من اجل مواكبته. وأخيراً، توقف لمواجهتها. سافيتري! لا يمكنك اتباعى إلى أرض الموتى!. فأجابت سافيتري: أيها الإله ياما، أنا أعلم أن من واجبك أن تأخذ زوجي. ولكن من واجبي أنا زوجته البقاء بجانبه. فقال ياما: أيتها الأميرة، إن واجبك تجاهه قد انتهى. ومع ذلك، أنا معجب بولائك. ولذلك سوف أمنحك هدية، فلتطلبي أي شيء ما عدا حياة زوجك. قالت سافيتري: إذاً فأنا أتمنى استعادة مملكة حماى وبصره. فقال: لك ذلك. ثم انطلق ياما مرة أخرى تجاه الجنوب تتبعه سافيتري.

بعد فترة توقف ياما مرة أخرى وقال: سافيتري! لقد أتيت بعيداً بما فيه الكفاية!  فقالت: أيها الإله ياما، أنا أعرف ان زوجي سوف يجد السعادة في ملكوتك، ولكنك تحمل بعيداً السعادة التي هى من حقي أنا!  فقال ياما: أيتها الأميرة، حتى الحب يجب أن ينحني أمام القدر. ومع ذلك ، أنا معجب بتفانيك. وسوف امنحك هدية آخرى، فلتطلبي أي شيء ما عدا حياة زوجك. فقالت سافيتري: فلتمنح والدي المزيد من الأطفال. قال ياما : لك ذلك. ثم انطلق ياما مرة أخرى باتجاه الجنوب تتبعه سافيتري مرة أخرى.

فوق قمة تل عالٍ توقف ياما مرة أخرى وقال: سافيتري! نهيتك عن الإقتراب أكثر من ذلك! فقالت سافيتري: أيها الإله ياما، إن لك الإحترام والتبجيل من قبل الجميع. ومع ذلك ، وبغض النظر عن ما قد يحدث، وسوف أبقى مع سافاتيان! قال ياما: أيتها الأميرة ، أنا أقول لك للمرة الأخيرة ، هذا لن يحدث ابداً! ومع ذلك ، أنا معجب بشجاعتك وحزمك. وسوف أمنحك هدية أخرى، فلتطلبي أي شيء ما عدا حياة زوجك. فقالت سافيتري: فلتمنحني إذن العديد من الأطفال. وليكونوا هم أبناء سافاتيان. اتسعت عينا ياما محدقاً في وجه سافيتري وقال لها: أنت لم تطلبي حياة زوجك ، ولكننى لا أستطيع تحقيق رغبتك دون ان أطلق سراحه.
ايتها الأميرة، إن حذاقتك فى مثل حدة عزيمتك. أطلق ياما أخيراً روح سافاتيان وحلق مبتعداً وهو يهتف: عودي يا سافيتري. لقد فزت بحياة زوجك. وسرعان ما اختفى عن الأنظار.

كانت الشمس قد بدأت الغروب حين وضعت سافيتري رأس سافاتيان في حجرها مرة أخرى. وقد أخذ صدره يعلو ويهبط وفتح عينيه متسائلاً: هل انقضى اليوم بالفعل؟ لقد نمت طويلا. ولكن ماذا حدث يا حبيبتى؟ لم تبتسمين وتبكين في نفس الوقت؟. قالت سافيتري: حبيبى، هيا بنا نعود إلى دارنا.
وفّى ياما بكل ما وعد. أصبح الملك والد سافيتري أباً لعدد كبير من الأولاد. واستعاد والد سافاتيان بصره ومملكته معاً. وبمرور الوقت، أصبح ساتيافان ملكاً وزوجته سافيتري ملكة له. وعاشوا طويلاً فى سعادة غامرة، ونعموا بكثير من الأطفال. حتى أنهما لم يخافا أو يبكيان عندما جاء ياما مرة أخرى ليحملهما إلى مملكته الأبدية.



انتهت الأسطورة, أسطورة الحب النقي والتضحية والإخلاص, أسطورة تحمل في طياتها معنى الوفاء.
إلى اللقاء مع أسطورة جديدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق