اشتهرت هذه
الاسطورة عندما اتخذها سيجموند فرويد اساس لإحدى نظرياته في علم النفس واستخرج
منها مفهوم النرجسية.
والنرجسية: هي شدة اعجاب الشخص
بنفسه لدرجة تنسيه اعجابه بالناس واعجابهم به وآرائهم فيه. فينسلخ الشخص من
الواقعية. والنرجس(أو نركسوس بالإغريقية)
نوع من الازهار ينتشر في بلاد الاغريق ومنها أتت الاسطورة التي تقول: نركسوس هو
ابن كفيسوس كفيسوس اله النهر وامه الحورية
ليريوبي. وهبت الاله نركسوس حسناً رائعًا وجمالًا لا يقاوم "يعني الولد مُزززز قداً".
أعجبت به الالهة
واصدقائه وجميع من شاهده وكان نركسوس يعي ذلك وكان يصد
الجميع ولا يعترف بالحب. فكان كلما كبر ازداد جمالاً وبهاء. في الوقت ذاته كان
هناك حورية جميلة اسمها ايكو (الصدى) جميلة بارعة
الحديث تسلب الالباب بقصصها "كانت أكبر من الخقه".
كانت هيرا امراة الاله زيوس تبحث عن زوجها الذي كان
في موعد غرامي "كان دونجوان ويلعب بذيله بس انقفط" وكانت ايكو قد رأته.
مرت هيرا
فرأتها ايكو فحاولت إلهائها بعذب لسانها حتى غربت الشمس. فجأة ظهر زيوس هارباً من
خلفها الى قصر الاوليمب.
فغضبت هيرا من ايكو وحرمتها نعمة
الكلام ماعدا قدرتها على ترديد اخر كلمات من يتحدث اليها (ومن هنا جاء الصدى).ظلت
ايكو تعيش في المروج الخضراء وألفت حياة الصمت
ولكنها كانت تزداد بهاءً وحسناً. وبينما كانت على ربوتها تتأمل المارة لم يكن
يعجبها سوى الشاب نركسوس فكتمت حبها لمعرفتها بأنه
شديد الزهو بنفسه وأنه لا يميل للغزل ولا يعرف لواعج الحب. وذات يوم خرج نركسوس
واصحابه للصيد فأخذ كل منهم يطارد فريسته
فافترقوا في الغابات والمروج فكان نركسوس يطارد فريسته ولما اصطادها ببراعة التفت
مزهواً فلم يجد احد فعلم انه ضل الطريق ولم يكن بأن
هناك من يرقبه ويتابعه بحب وشغف. طال تجوال نركسوس وناله التعب وهي ترقبه فجلس على
حافة الغدير.
فلما طال انتظار نركسوس وقف وأخذ
ينادي لأصدقائه فلم تستطع ايكو صبراً فأخذت تردد نداءاته:
أنا نركسوس؟
-نركسوس؟
-أين أنت؟
-أين أنت؟
-أنا هنا بجوار الغدير.
-بجوار الغدير.
-هل تسمعني؟
-تسمعني.
-أحضر إلي فورا.
-إلي فورا.
-أنا أحتاج إليك.
-أحتاج إليك
ففرح بصوتها ظناً بأنه أحد اصدقائه
واظهر السرور ففرحت ايكو وأقبلت عليه فاتحة ذراعيها تريد ضمه فقطب حاجبيه ونظر
اليها في كبرياء وقال:
-لا أريدك.
-أريدك.
-لاأرغب في تقبيلك.
-أرغب في تقبيلك.
-أموت قبل ان أشتاق إلي أحضانك.
-أشتاق إلي أحضانك.
فسقطت عند أقدامه فتركها وذهب
لرفاقه. ظلت على حالها تراقبه في غدوه ورواحه حتى ذبلت وذاب جسدها وتناثرت رفاتها
مع موجات الأثير. ولم يبقَ سوى الصوت الذي يسمعه المتحدث مرددًا المقاطع الأخير
لحديثه.
ولكن أفروديت الهة الحب لم تكن
لترضى بهذا التكبر على الحب. استنجدت ايكو بآلهة الحب افروديت فلبت ندائها. فلما
خرج نركسوس كعادته للصيد وأخذ يطارد الفرائس تعب وشعر بالظمأ, فوقع بصره على منطقة
ظليلة يتوسطها غدير. ذهب اليها وشرب منها وارتوى فأحس بشيء غريت يسري في عروقه.
وبعد ان استراح نظر الى صفحة الغدير فرأى انعكاس وجهٍ بهي الطلعة فوخزه صدره وأحس
برعشة خفيفة, ثم قفل راجعاً الى بيته وهو يحس بشيء لا يعرف كنهه. ولما غشاه الليل
لم يستطع النوم فتسلل في جنح الظلام الى الغدير ليرى تلك الحسناء. أتى الى الغدير
ورأى تلك الجميلة تنتظره فأيقن بوقوعه في الحب.
صارحها بحبه فكان انعكاسه يردد
صداه فمد يده الى الصورة فاختفت بفعل اضطراب ماء الغدير. فحزن لعدم قدرته على
ملامسة حبيبته فانسل حاله وورد على الهلاك وهو
يردد: وداعاً يامن أحب وداعاً, وكان صداه يرجع اليه بنبرة أنثوية عذبة: يامن أحب
وداعاً حتى فارق الحياة.
لم يكن نركسوس يرى سوى انعكاس وجهه الجميل, ولم يكن حبه سوى
عقاب الالهة أفروديت نتيجة اهانته لإيكو. ألقت ايكو النظرة الاخيرة على جسد نركسوس المسجى
بجانب الغدير ثم ابتعد
ت في حزن شديد وظلت تعيش حتى الان صوتاً بلا جسد في الجبال
المقفرة والسهول والوديان تردد عبارات المسافرين وعابري السبيل. أما نركسوس فقد
أشفقت عليه الالهة فحولته الى زهرة جميلة ذات منظر حزين تعيش على وتنمو على ضفاف البحيرات والغدران. تلك الزهرة التي
تسمى نرجس (نركسوس), رمز الموت والفناء.
انتهى.
تحليل أسطورة نركسوس: يعتقد
العالم الالماني كروزر: أن الأسطورة، نوع من أنواع التعاليم الدينية، نشأت نتيجة
وحي ديني أصيل أما سيجموند فرويد فيشير إلى وجود
أوجه شبه متعددة بين أساطير معروفة ورموز تظهر في الأحلام لتمثل دوافع غريزية
قوية. لذا، أطلقعلى هذه الدوافع أسماء شخصيات
أسطورية إغريقية, وانتقل فرويد إلي دافع هام وهو الغرور أو الافتنان بالنفس المؤدي
الى الهلاك. فسمي ذلك الدافع عقدة النرجسية
(نسبة إلي نرجس- نركسوس).
انتهت قصة نركسوس رمز الفناء والى اللقاء مع أسطورة
أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق